في الحلقة الماضية إنتهينا من نبي الله نوح عليه السلام ، وذكرنا أن الله عز وجل أهلك قومه بالطوفان ، فلم تبقى ذرية في الأرض إلا ذرية نوح عليه السلام ، القِلّة الذين كانوا معه في السفينة ، لم يجعل الله عز وجل لهم ذرية تبقى ، فلم تبقى في الأرض إلا ذرية نوح ، فإن الله عز وجل إصطفى البشر أولا بآدم ، وثانيا بنوح عليه السلام ، ما بقية إلا ذرية نوح ، وبقي أهل الايمان في الأرض يتكاثرون مرة أخرى وينتشرون في الأرض مرة أخرى
، والشياطين تجتال الناس عن دينهم ، وتحاول أن توقعهم مرة أخرى بالشرك ، فإن الأرض الان كلها على التوحيد ، حتى جاء قوم سكنوا في أرض تسمى " الاحقاف" بين اليمن وعُمَانْ ، هذه الاحقاف سكنها قوم سُمُّوا قوم " عاد " هؤلاء الناس بدأ فيهم الشِّرك بالله عز وجل ، بدأ فيهم عبادة الاصنام عبادة الالهة من دون الله جل وعلا ، أرسل الله عز وجل إليهم نبيا عربيا ، الانبياء العرب هود عليه السلام وشعيب عليه السلام وصالح عليه السلام ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، أول نبي عربي هو هود ، أرسله الرب عز وجل لقوم عاد الذين طغوا في الأرض وتجبروا فيها ، حتى قال الله عز وجل يُخاطب نبينا ،
ألم تأتيك قصة وخبر قوم عاد الذين ما خلقت مثلهم في الأرض كلِّها { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } { إِرَمَ } إسم جَدٍّ من أجدادهم { ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } بقوتهم وجبروتهم وحسن بُنيانهم ومصانعهم لم يخلق الله عز وجل مثلهم في البلاد ، في ذلك الزمان أرسل الله عز وجل إليهم نبيا من أنبيائه إسمه هُودْ ، فدعاهم أولا إلى التوحيد ، كل الانبياء أول دعوتهم إفراد العبادة لله عز وجل { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ } فنبيهم كان منهم لم يأتي غريبا عنهم كان من قومهم من أهلهم ، بل أخاً لهم
{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } قال ياقوم ، أنظروا للاسلوب قال { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ما دعاهم أولا إلا إلى توحيد الله عز وجل ، إلى عبادته جل وعلا ، لكن أنظروا إليهم كيف ردواعلى هود عليه السلام وهو يذكرهم الله عز وجل، بكل أدب بكل أخلاق ، حتى ذكرهم بقوم نوح الذين كانوا قبلهم كيف دُمِّرُواْ والأرض كلها تتكلم عنهم { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً } أي إذكروا يا قوم الله عز وجل جعلكم أهل قوة ومنعة بل خلفاء في الأرض ، بعد نوح كيف دمر الله عزل وجل قومه بالطوفان ،
تذكروا هذه النعم إشكروا الله عز وجل عليها أعبدوا الله جل وعلا ، لا أريد منكم شيئا حتى قالوا له ، ياهود تريد مالا تريد ملكا نعطيك قال { يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } لا أسألكم الاجر ولا المال أريدكم فقط أن تعبدوا الله جل وعلا ، أنظروا للاسلوب كيف ردوا على هود عليه السلام قالوا له { قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي. سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } أنت سفيه وأنت كاذب ، هل رد عليهم هود عليه السلام بنفس الاسلوب هل قال لهم أنتم السفهاء الكاذبون كلا ، والله أنظروا للادب أدب الانبياء مع أقوامهم قال
{ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَة } أنا لست سفيها ولكني أنا فقط ناصِح لكم أنا رسول أمين ليست بسفاهة ولم أصُبْ بالجنون لكنني أنصحكم فاتقوا الله عز وجل وأطيعون.
*
إستكبر قوم عاد على نبيهم وعاندوا وظنوا أن قوتهم هذه لا تُغلب { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أنظروا لقوتهم التي أغرتهم وأعمتهم ، نعم كانت أكبر وأعظم دولة على وجه الأرض في ذلك الزمان ، لكن ما علموا أن هناك من هو أقوى منهم { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } ألم يعلم قوم عاد والامم الجبارة والامم القوية ألم تعلم أن هناك من هو أقوى منهم ،
إنه الله عز وجل الذي خلقهم وخلق كل شيء { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } جاءهم هود عليه السلام ينصحهم يُذكِّرهم يا قوم أنعم الله عليكم بالنعم تبنون قصورا مساكن في بعض الاماكن التي لستم بحاجة إليها ، ومع هذا لا تشكرون ربكم جل وعلا { تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } كل هذه النعم التي عندكم مساكن مصانع خيرات كثيرة ، ومع هذا كله تبطشون بالدول الضعيفة وبالناس الفقراء والمساكين
{ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } نصحهم ذكرهم خوفهم الله عز وجل ، ولكن بلا فائدة جاؤا إلى هود عليه السلام ذلك النبي الضعيف لا يملك إلا بعض الذين أمنوا ، ليس عنده سلاح ولا عتاد أخذوا يستهزؤن عليه يقولون قالوا { يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } عناد إستكبار إسرار جحود { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أرأيت هذه الالهة التي سببتها وتكلمت عليها وشتمتها
يا هود ، ربما أصابتك بالجنون الجنون التهمة الجاهزة التي تلقى على كل الانبياء والمرسلين ، كل الدعاة والمخلصين سهل أن يُقال لهم بأنه أصابكم الجنون { إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } هذه الالهة هي التي أصابتك بالجنون ، فقلت هذا الكلام فرد عليهم نبي الله بكل قوة وثقة قال ياقوم {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ } البراءة الكاملة أنا برئ منكم ومن دينكم ومن معبوداتكم وأصنامكم ، أنا برئ من هذا كله ، أمة جبارة أمة مستكبرة لم يخف منها هود عليه السلام لأنه نبي من أنبياء الله ،
أنظروا للسلاح الذي يملكه هود عليه السلام ماذا يمتلك قال { أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا } إجمعوا أسلحتكم وجيوشكم وقواتكم ، إجمعوا كل ما تملكون ثم كيدوني جميعا ولا تنتظروني ولا ثانية واحدة ولا لحظة واحدة ولا دقيقة واحدة { فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ } من الذي يمتلكه هود عليه السلام من قوة لِيقف مُواجها تلك الامة الجبارة ، ماذا يمتلك هود عليه السلام ماذا يمتلك حتى يقف أمام هذه الامة العاتية الجبارة التي بطشت بالامم ، ماذا يمتلك إنه يمتلك أعظم سلاح ما هو
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } كل حشرة كل طير كل حيوان كل دابة على وجه الأرض رزقها على من ، على رب العالمين ، أنا أتحداكم أنا أقف أمامكم لِمَ ، لانني متوكل على الله عز وجل ، سلاح المؤمنين سلاح الانبياء والمرسلين التوكل على الله ، حسبي الله ونعم الوكيل ، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، وقف هود عليه السلام أمام قومه متحديا لهم ، لا يُبالي بما يفعلون ولا بما يصنعون.
*
قوم هود طلبوا من هود عليه السلام أن يأتيهم بعذاب الله عز وجل ، إِئْتِنَا بِعَذابِ الله ، تزعم أن هناك عذاب من ربك فلنرى هذا العذاب ، نريد أن نراه يتحدون ربهم جل وعلا ، قالوا لهود عليه السلام { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } إن كنت صادقا نريد أن نرى عذاب ربك ، آتيتانا بدين جديد وبإلاه جديد ، نريد أن نرى عذابه إن كنت صادقا ، هنا رفع هود عليه السلام يديه إلا السماء { قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }
كل الانبياء إذا يئسوا من أقوامهم فإنهم يلجأون إلى الله عز وجل ، قال { رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } قال الله عز وجل لهود قال { عَمَّا قلِيل } إصبر يا هود ، هي سنوات لكنها عند الله عز وجل لا شيء { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } هذه الامة الجبارة ستندم يوما من الايام ، هذه الامة العاتية التي بطشت بالامم ستندم لكن عما قليل ، إصبر ياهود قال { عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } وكان هود عليه السلام يذكرهم بأن هناك يوم آخر ،
هنا بعث بعد الموت هناك حياة أخرى ، وكانوا لا يصدقونه وكانوا يستهزؤن به فيقولون { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ. إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } حالهم كحال كثير من الناس ، اليوم الذين يقولون هي حياة فإنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع لا حياة أخرى ولا بعث بعد الموت ولا هناك حساب ولا عذاب ولا جزاء ، دنيا نستمتع بها كما نشاء ، هود عليه السلام دعا الله عز وجل أن ينصره ، عذبهم الرب عز وجل ، أول عذاب ثلاث سنوات لم يأتهم مطر أبدا ، قطرة من السماء ما نزلت وكانوا يعتمدون في حياتهم على الزروع ،
هذه الامة الجبارة كانت تعتمد على المطر من السماء وما كانت تعبد رب الأرض والسماء ، المطر توقف القحط أهلكهم الجدب ، ماتت الشياه هلكت الأرض قل المال ، فإذا بهم يذهبون يستسقون آلهتهم يذهبون يطلبون من آلهتهم المطر ، فإذا بهم يسمعون مناد من السماء يناديهم ، يقول هذا المنادي ، أي سحابة تريدون ، هل تريدون سحابة بيضاء ، أم تريدون سحابة حمراء ، أم تريدون سحابة سوداء ، سمعوا مناد من السماء يُناديهم ، فإذا بهم وكانوا سبعين رجلا من أحسنهم قالوا بل نريد السحابة السوداء ،
وما الفرق لأنهم يعلمون أن السحابة السوداء فيها مطر كثير ، وفيها ماء كثير وهم لا يشعرون أن الرب عز وجل يستدرجهم { سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } قوم هود رجعوا قافلين بعد أن إستسقوا المطر من آلهتهم ، فإذا بهم ينظرون إلى السماء وإذا بالغيم يأتي إليهم ، وإذا بالغيم الاسود يظللهم ، وإذا بهم يفرحون وإذا بهم يظنون أنها كرامة من ربهم لهم ، أي كرامة وهم كافرون
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } أول ما شعرت بالعذاب إمرأة أحست بأن هذه الغيمة ليست كغيرها من الغيوم ، كأنها رأت شررا يتطاير من هذه الغيمة فهربت من قرى عاد ، هربت من بين قوم هود وهي تستغيث ، علمت أن هناك عذاب سيأتي إليهم { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } ظنوا القوم الكافرون ، ظنوا أنها كرامة من الالهة لهم ، أن المطر سيأتي إليهم بعد أن جفت الأرض ثلاث سنين ،
ما إستجابوا لي نبيهم وما رضخوا لامر الله عز وجل ، عاندوا وطلبوا من نبيهم أن يأتيهم بعذاب الله إن كان صادقا ، وفعلا بدأ العذاب وبدأ الغيم يستقبلهم وبدأ يأتي إليهم وهم فارحون مستبشرون.
*
إستقبل قوم هود الغيم والسحاب الاسود فارحين مستبشرين ، ظنوا أن فيه خيرا لهم ، خرجوا يستقبلون هذا الغيم وهم يقولون ، ها هو عارض ممطرنا ها هو الغيم قد أتى إلينا لِيُغِيثَنَا ، ها هو الرزق جاءنا بعد أن إنقطع سنوات ، سألنا الالهة فأرسلت إلينا هذه الغيمة وهذا السحاب ، قالوا هذا عارض ممطرنا لكنه عذاب الله بدأ ، لكنه الذي يستعجل الله عز وجل فيه ، إذا بالريح تشتد ، تعجبوا ما الذي يحدث ،
إنها عاصفة إنها رياح عاتية ، ليست عاتية فقط ، بل هي صرصر باردة شديدة البرودة ، بدأت تحمل الامتعة والحاجيات ، بدأ الناس يتطايرون ، أخد الهواء يحمل الناس إلى السماء ثم يرميهم إلى الأرض ، فينفصل الرأس عن الجسد كأنهم أعجاز نخل خاوية { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ } بدأ الهواء والريح بدأت بأول يوم وانتهت في نهاية اليوم الثامن بينهما سبع ليال { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى }
لا ترى في القوم إلا الصرعى ، الناس إختبأوا في بيوتهم ، البرد قتلهم البرد أهلكهم ، فالريح صرصر عاتية ، حتى أن العجائز الذين إختبأوا في بيوتهم عند النار قُتِلُوا من شدة البرد ، أهلكهم البرد فالريح صرصر الريح عاتية { وَفِي عَادٍ } أين قوتهم أين جبروتهم أين بطشهم بالامم أين تحديهم لعذاب الله { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ. مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ } ما آتت الريح على شيء إلا وحطمته إلا وفتته إلا جعلته كا الرميم ، لم تُبْقِي شيئا ، إنه جندي واحد من جند الله عز وجل ، هذه الامة التي عتت وتجبرت حملتها الريح إلى السماء ثم رمتها على الأرض ، فإذا بأجسادهم تنفصل عن رؤوسهم ،
فإذا بهم صرعى جثث على الأرض ملقاة { فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } هل بقي منهم إنسان أبدأ ، أما هود عليه السلام والقلة الذين آمنوا معه { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ. وَتِلْكَ عَادٌ } جحدوا بآية ربهم وعصوا رُسُلَه ، واتبعوا أمر كل جبار عنيد ، أين هم ماذا فعل الله عز وجل بهم ، تلك الامة التي عاندت وتجبرت وظنت أنها أقوى أمة على وجه الأرض { وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }
هل بقي لهم من أثر هل بقيت منهم باقية ، دمرهم الرب عز وجل ، وهكذا كل أمة تتجبر على أمر الله عز وجل وتعصي رسله وتتكبر في الأرض فهذا هو مصيرهم { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } ألم تر يا محمد ماذا فعل الله عز وجل بهم دمرهم ، الله يقص في القرءان هذه القصة ، لتعتبر هذه الامم المتكبرة وهذه الدول المتجبرة التي تظن أنه ليس هناك في الأرض قوة تقف أمامها ، جندي واحد جندي واحد من جنود الرحمن أهلك تلك الامة ، فلم يُبقي لهم أثرا ولم يُبقي لهم نسلا
، فهل ترى لهم من باقية ، ونجا الله هودا ومعه أهل الايمان ، وأهلك كل الكافرين ، في الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل سوف نتكلم عن أمة نحتت الجبال جعلت من الجبال بيوتا وقصورا ، منذ ألاف السنين إلى اليوم أثارهم موجودة ، قصورهم وبيوتهم في الجبال لا زالت منحوتة لتبقى عبرة لمن يأتي من الامم ، ما هذه الامة وما هذا الشعب الذي جاء بعد قوم عاد وقوم هود عليه السلام ، من هم ومن أرسل الله عز وجل إليهم ، إنه نبي الله صالح عليه السلام هذا النبي الذي أرسله الله عز وجل لهذه الامة ، ماذا قال لها وماذا فعلت معه ،
وكيف عاقبها الرب عز وجل ، هذا موضوع حديثنا بإذن الله عز وجل في الحلقة المقبلة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
لا تنسونا من صالح دعائكم
، والشياطين تجتال الناس عن دينهم ، وتحاول أن توقعهم مرة أخرى بالشرك ، فإن الأرض الان كلها على التوحيد ، حتى جاء قوم سكنوا في أرض تسمى " الاحقاف" بين اليمن وعُمَانْ ، هذه الاحقاف سكنها قوم سُمُّوا قوم " عاد " هؤلاء الناس بدأ فيهم الشِّرك بالله عز وجل ، بدأ فيهم عبادة الاصنام عبادة الالهة من دون الله جل وعلا ، أرسل الله عز وجل إليهم نبيا عربيا ، الانبياء العرب هود عليه السلام وشعيب عليه السلام وصالح عليه السلام ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، أول نبي عربي هو هود ، أرسله الرب عز وجل لقوم عاد الذين طغوا في الأرض وتجبروا فيها ، حتى قال الله عز وجل يُخاطب نبينا ،
ألم تأتيك قصة وخبر قوم عاد الذين ما خلقت مثلهم في الأرض كلِّها { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } { إِرَمَ } إسم جَدٍّ من أجدادهم { ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } بقوتهم وجبروتهم وحسن بُنيانهم ومصانعهم لم يخلق الله عز وجل مثلهم في البلاد ، في ذلك الزمان أرسل الله عز وجل إليهم نبيا من أنبيائه إسمه هُودْ ، فدعاهم أولا إلى التوحيد ، كل الانبياء أول دعوتهم إفراد العبادة لله عز وجل { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ } فنبيهم كان منهم لم يأتي غريبا عنهم كان من قومهم من أهلهم ، بل أخاً لهم
{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } قال ياقوم ، أنظروا للاسلوب قال { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ما دعاهم أولا إلا إلى توحيد الله عز وجل ، إلى عبادته جل وعلا ، لكن أنظروا إليهم كيف ردواعلى هود عليه السلام وهو يذكرهم الله عز وجل، بكل أدب بكل أخلاق ، حتى ذكرهم بقوم نوح الذين كانوا قبلهم كيف دُمِّرُواْ والأرض كلها تتكلم عنهم { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً } أي إذكروا يا قوم الله عز وجل جعلكم أهل قوة ومنعة بل خلفاء في الأرض ، بعد نوح كيف دمر الله عزل وجل قومه بالطوفان ،
تذكروا هذه النعم إشكروا الله عز وجل عليها أعبدوا الله جل وعلا ، لا أريد منكم شيئا حتى قالوا له ، ياهود تريد مالا تريد ملكا نعطيك قال { يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } لا أسألكم الاجر ولا المال أريدكم فقط أن تعبدوا الله جل وعلا ، أنظروا للاسلوب كيف ردوا على هود عليه السلام قالوا له { قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي. سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } أنت سفيه وأنت كاذب ، هل رد عليهم هود عليه السلام بنفس الاسلوب هل قال لهم أنتم السفهاء الكاذبون كلا ، والله أنظروا للادب أدب الانبياء مع أقوامهم قال
{ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَة } أنا لست سفيها ولكني أنا فقط ناصِح لكم أنا رسول أمين ليست بسفاهة ولم أصُبْ بالجنون لكنني أنصحكم فاتقوا الله عز وجل وأطيعون.
*
إستكبر قوم عاد على نبيهم وعاندوا وظنوا أن قوتهم هذه لا تُغلب { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أنظروا لقوتهم التي أغرتهم وأعمتهم ، نعم كانت أكبر وأعظم دولة على وجه الأرض في ذلك الزمان ، لكن ما علموا أن هناك من هو أقوى منهم { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } ألم يعلم قوم عاد والامم الجبارة والامم القوية ألم تعلم أن هناك من هو أقوى منهم ،
إنه الله عز وجل الذي خلقهم وخلق كل شيء { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } جاءهم هود عليه السلام ينصحهم يُذكِّرهم يا قوم أنعم الله عليكم بالنعم تبنون قصورا مساكن في بعض الاماكن التي لستم بحاجة إليها ، ومع هذا لا تشكرون ربكم جل وعلا { تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } كل هذه النعم التي عندكم مساكن مصانع خيرات كثيرة ، ومع هذا كله تبطشون بالدول الضعيفة وبالناس الفقراء والمساكين
{ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } نصحهم ذكرهم خوفهم الله عز وجل ، ولكن بلا فائدة جاؤا إلى هود عليه السلام ذلك النبي الضعيف لا يملك إلا بعض الذين أمنوا ، ليس عنده سلاح ولا عتاد أخذوا يستهزؤن عليه يقولون قالوا { يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } عناد إستكبار إسرار جحود { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أرأيت هذه الالهة التي سببتها وتكلمت عليها وشتمتها
يا هود ، ربما أصابتك بالجنون الجنون التهمة الجاهزة التي تلقى على كل الانبياء والمرسلين ، كل الدعاة والمخلصين سهل أن يُقال لهم بأنه أصابكم الجنون { إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } هذه الالهة هي التي أصابتك بالجنون ، فقلت هذا الكلام فرد عليهم نبي الله بكل قوة وثقة قال ياقوم {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ } البراءة الكاملة أنا برئ منكم ومن دينكم ومن معبوداتكم وأصنامكم ، أنا برئ من هذا كله ، أمة جبارة أمة مستكبرة لم يخف منها هود عليه السلام لأنه نبي من أنبياء الله ،
أنظروا للسلاح الذي يملكه هود عليه السلام ماذا يمتلك قال { أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا } إجمعوا أسلحتكم وجيوشكم وقواتكم ، إجمعوا كل ما تملكون ثم كيدوني جميعا ولا تنتظروني ولا ثانية واحدة ولا لحظة واحدة ولا دقيقة واحدة { فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ } من الذي يمتلكه هود عليه السلام من قوة لِيقف مُواجها تلك الامة الجبارة ، ماذا يمتلك هود عليه السلام ماذا يمتلك حتى يقف أمام هذه الامة العاتية الجبارة التي بطشت بالامم ، ماذا يمتلك إنه يمتلك أعظم سلاح ما هو
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } كل حشرة كل طير كل حيوان كل دابة على وجه الأرض رزقها على من ، على رب العالمين ، أنا أتحداكم أنا أقف أمامكم لِمَ ، لانني متوكل على الله عز وجل ، سلاح المؤمنين سلاح الانبياء والمرسلين التوكل على الله ، حسبي الله ونعم الوكيل ، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، وقف هود عليه السلام أمام قومه متحديا لهم ، لا يُبالي بما يفعلون ولا بما يصنعون.
*
قوم هود طلبوا من هود عليه السلام أن يأتيهم بعذاب الله عز وجل ، إِئْتِنَا بِعَذابِ الله ، تزعم أن هناك عذاب من ربك فلنرى هذا العذاب ، نريد أن نراه يتحدون ربهم جل وعلا ، قالوا لهود عليه السلام { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } إن كنت صادقا نريد أن نرى عذاب ربك ، آتيتانا بدين جديد وبإلاه جديد ، نريد أن نرى عذابه إن كنت صادقا ، هنا رفع هود عليه السلام يديه إلا السماء { قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }
كل الانبياء إذا يئسوا من أقوامهم فإنهم يلجأون إلى الله عز وجل ، قال { رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } قال الله عز وجل لهود قال { عَمَّا قلِيل } إصبر يا هود ، هي سنوات لكنها عند الله عز وجل لا شيء { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } هذه الامة الجبارة ستندم يوما من الايام ، هذه الامة العاتية التي بطشت بالامم ستندم لكن عما قليل ، إصبر ياهود قال { عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } وكان هود عليه السلام يذكرهم بأن هناك يوم آخر ،
هنا بعث بعد الموت هناك حياة أخرى ، وكانوا لا يصدقونه وكانوا يستهزؤن به فيقولون { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ. إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } حالهم كحال كثير من الناس ، اليوم الذين يقولون هي حياة فإنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع لا حياة أخرى ولا بعث بعد الموت ولا هناك حساب ولا عذاب ولا جزاء ، دنيا نستمتع بها كما نشاء ، هود عليه السلام دعا الله عز وجل أن ينصره ، عذبهم الرب عز وجل ، أول عذاب ثلاث سنوات لم يأتهم مطر أبدا ، قطرة من السماء ما نزلت وكانوا يعتمدون في حياتهم على الزروع ،
هذه الامة الجبارة كانت تعتمد على المطر من السماء وما كانت تعبد رب الأرض والسماء ، المطر توقف القحط أهلكهم الجدب ، ماتت الشياه هلكت الأرض قل المال ، فإذا بهم يذهبون يستسقون آلهتهم يذهبون يطلبون من آلهتهم المطر ، فإذا بهم يسمعون مناد من السماء يناديهم ، يقول هذا المنادي ، أي سحابة تريدون ، هل تريدون سحابة بيضاء ، أم تريدون سحابة حمراء ، أم تريدون سحابة سوداء ، سمعوا مناد من السماء يُناديهم ، فإذا بهم وكانوا سبعين رجلا من أحسنهم قالوا بل نريد السحابة السوداء ،
وما الفرق لأنهم يعلمون أن السحابة السوداء فيها مطر كثير ، وفيها ماء كثير وهم لا يشعرون أن الرب عز وجل يستدرجهم { سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } قوم هود رجعوا قافلين بعد أن إستسقوا المطر من آلهتهم ، فإذا بهم ينظرون إلى السماء وإذا بالغيم يأتي إليهم ، وإذا بالغيم الاسود يظللهم ، وإذا بهم يفرحون وإذا بهم يظنون أنها كرامة من ربهم لهم ، أي كرامة وهم كافرون
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } أول ما شعرت بالعذاب إمرأة أحست بأن هذه الغيمة ليست كغيرها من الغيوم ، كأنها رأت شررا يتطاير من هذه الغيمة فهربت من قرى عاد ، هربت من بين قوم هود وهي تستغيث ، علمت أن هناك عذاب سيأتي إليهم { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } ظنوا القوم الكافرون ، ظنوا أنها كرامة من الالهة لهم ، أن المطر سيأتي إليهم بعد أن جفت الأرض ثلاث سنين ،
ما إستجابوا لي نبيهم وما رضخوا لامر الله عز وجل ، عاندوا وطلبوا من نبيهم أن يأتيهم بعذاب الله إن كان صادقا ، وفعلا بدأ العذاب وبدأ الغيم يستقبلهم وبدأ يأتي إليهم وهم فارحون مستبشرون.
*
إستقبل قوم هود الغيم والسحاب الاسود فارحين مستبشرين ، ظنوا أن فيه خيرا لهم ، خرجوا يستقبلون هذا الغيم وهم يقولون ، ها هو عارض ممطرنا ها هو الغيم قد أتى إلينا لِيُغِيثَنَا ، ها هو الرزق جاءنا بعد أن إنقطع سنوات ، سألنا الالهة فأرسلت إلينا هذه الغيمة وهذا السحاب ، قالوا هذا عارض ممطرنا لكنه عذاب الله بدأ ، لكنه الذي يستعجل الله عز وجل فيه ، إذا بالريح تشتد ، تعجبوا ما الذي يحدث ،
إنها عاصفة إنها رياح عاتية ، ليست عاتية فقط ، بل هي صرصر باردة شديدة البرودة ، بدأت تحمل الامتعة والحاجيات ، بدأ الناس يتطايرون ، أخد الهواء يحمل الناس إلى السماء ثم يرميهم إلى الأرض ، فينفصل الرأس عن الجسد كأنهم أعجاز نخل خاوية { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ } بدأ الهواء والريح بدأت بأول يوم وانتهت في نهاية اليوم الثامن بينهما سبع ليال { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى }
لا ترى في القوم إلا الصرعى ، الناس إختبأوا في بيوتهم ، البرد قتلهم البرد أهلكهم ، فالريح صرصر عاتية ، حتى أن العجائز الذين إختبأوا في بيوتهم عند النار قُتِلُوا من شدة البرد ، أهلكهم البرد فالريح صرصر الريح عاتية { وَفِي عَادٍ } أين قوتهم أين جبروتهم أين بطشهم بالامم أين تحديهم لعذاب الله { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ. مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ } ما آتت الريح على شيء إلا وحطمته إلا وفتته إلا جعلته كا الرميم ، لم تُبْقِي شيئا ، إنه جندي واحد من جند الله عز وجل ، هذه الامة التي عتت وتجبرت حملتها الريح إلى السماء ثم رمتها على الأرض ، فإذا بأجسادهم تنفصل عن رؤوسهم ،
فإذا بهم صرعى جثث على الأرض ملقاة { فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } هل بقي منهم إنسان أبدأ ، أما هود عليه السلام والقلة الذين آمنوا معه { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ. وَتِلْكَ عَادٌ } جحدوا بآية ربهم وعصوا رُسُلَه ، واتبعوا أمر كل جبار عنيد ، أين هم ماذا فعل الله عز وجل بهم ، تلك الامة التي عاندت وتجبرت وظنت أنها أقوى أمة على وجه الأرض { وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }
هل بقي لهم من أثر هل بقيت منهم باقية ، دمرهم الرب عز وجل ، وهكذا كل أمة تتجبر على أمر الله عز وجل وتعصي رسله وتتكبر في الأرض فهذا هو مصيرهم { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } ألم تر يا محمد ماذا فعل الله عز وجل بهم دمرهم ، الله يقص في القرءان هذه القصة ، لتعتبر هذه الامم المتكبرة وهذه الدول المتجبرة التي تظن أنه ليس هناك في الأرض قوة تقف أمامها ، جندي واحد جندي واحد من جنود الرحمن أهلك تلك الامة ، فلم يُبقي لهم أثرا ولم يُبقي لهم نسلا
، فهل ترى لهم من باقية ، ونجا الله هودا ومعه أهل الايمان ، وأهلك كل الكافرين ، في الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل سوف نتكلم عن أمة نحتت الجبال جعلت من الجبال بيوتا وقصورا ، منذ ألاف السنين إلى اليوم أثارهم موجودة ، قصورهم وبيوتهم في الجبال لا زالت منحوتة لتبقى عبرة لمن يأتي من الامم ، ما هذه الامة وما هذا الشعب الذي جاء بعد قوم عاد وقوم هود عليه السلام ، من هم ومن أرسل الله عز وجل إليهم ، إنه نبي الله صالح عليه السلام هذا النبي الذي أرسله الله عز وجل لهذه الامة ، ماذا قال لها وماذا فعلت معه ،
وكيف عاقبها الرب عز وجل ، هذا موضوع حديثنا بإذن الله عز وجل في الحلقة المقبلة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
لا تنسونا من صالح دعائكم